بيان لـ “المفكّرة القانونيّة” بشأن الانتخابات البلدية: دفاعًا عن الديمقراطية في وجه “الزيّ ما هي” 

بعد التأجيل المتكرّر للانتخابات البلدية منذ 2022، يجتمع مجلس النوّاب غدًا وقبل أيام من الاستحقاق الانتخابي، من أجل مناقشة وإقرار مجموعة من اقتراحات القوانين المتعلقة بتعديل النظام الانتخابي للبلديات لا سيما في بلدية بيروت. وقد أدرجت على جدول أعماله ثلاثة اقتراحات هدفتْ إلى معالجة الاختلال الديمغرافي في بيروت ليس فقط من خلال فرض المناصفة في المجلس البلدي، لكن أيضًا من خلال اعتماد الانتخابات على أساس لوائح مقفلة ووفق النظام الأكثري في العاصمة كما في مجموعة كبيرة من البلديات في كل لبنان.

انطلاقًا مما تقدم، يهمّ “المفكّرة القانونية” تنبيه الرأي العام إلى المخاطر الآتية:

  • تشريع اللحظة الأخيرة خطر على مصداقية الانتخابات: 

من شروط مصداقية أيّ انتخابات حصولها وفقا لنظام قانوني معروف مسبقًا يتيح لجميع المرشحين الوقت الكافي لتنظيم أنفسهم، ويسمح للناخبين بتكوين صورة واضحة عن اللوائح المتنافسة كي يتمكنوا من الادلاء بصوتهم عن دراية ومعرفة. وعليه، فإن طرح تعديل النظام الانتخابي  قبل أيام معدودة من انطلاق الانتخابات البلدية في تاريخ 4 أيار 2025 يؤدي بحدّ ذاته وبمعزل عن مضمونه، إلى المس بالاستقرار التشريعي والحدّ من مصداقية الانتخابات، مما يعرض العملية الانتخابية برمتها للتشكيك.

  • المسّ بمبدأ التمثيل العادل:

إن تبني خيار اللائحة المقفلة من ضمن النظام الأكثري سيؤدّي  إلى نجاح اللوائح التي تحصل على الأكثريّة البسيطة أي مجرد حصولها على عدد أكبر من الأصوات من غيرها حتى لو كانت هذه الأصوات تشكل أقلية بالنسبة لمجموع الأصوات التي تم الإدلاء بها، ما سيضعف من الشرعيّة التمثيليّة للوائح الفائزة ويحدّ من الطبيعة الديمقراطية للعملية الانتخابية. فاللوائح المقفلة يتم اعتمادها عادة مع نظام اقتراع نسبي يمنح جميع اللوائح فرصة عادلة بالفوز بعدد من المقاعد في المجلس البلدي، بينما الدمج بين اللوائح المقفلة والنظام الأكثري هو إجراء غير مسبوق في تاريخ الانتخابات ليس فقط في لبنان، بل في كل دول العالم التي تحترم أدنى معايير عدالة التمثيل.

  • مخاوف من تعزيز نظام الزعماء والطائفية: 

إن اللوائح المقفلة تسمح للجهات السياسية النافذة في كل منطقة باحتكار التمثيل البلدي عبر فرض الأقوى لكامل أعضاء اللائحة من دون حاجته إلى التفاوض مع جهات أخرى من أجل تشكيل لوائح مشتركة، ما يعني تعزيز هيمنة الطرف السياسي الأقوى في موازاة تهميش سائر التيارات والقوى السياسية الأخرى عبر حرمانها من أي تمثيل. فاللائحة المقفلة تضع الناخب أمام خيار وحيد وتحدّ جدًا من حرية الاختيار لديه، ما يجعل الانتخابات البلدية برمتها تجري وفقًا لقاعدة “الزيّ ما هي” أو منطق المحادل، مع ما يستتبع ذلك من تعزيز لنظام “الزعماء” الذي شكّل من دون ريب منذ انتهاء حرب 1975-1990 العامل الأساسي في الاستقطاب الطائفي فضلًا عن كونه التهديد الأكبر للديمقراطية وتطور الحياة المدنية في لبنان.

  • مخاوف من المناصفة الشكلية:

إنّ تكريس المناصفة بنص قانونيّ لا يضمن بالضرورة التعدديّة داخل بلدية بيروت كون المناصفة كانت مؤمنة سابقًا بفضل الضمانة الشخصية التي كان يمنحها الزعيم السياسي المهيمن سياسيًا على العاصمة. فهذه المناصفة لم تكن تعكس في الحقيقة تعددية مدينة بيروت بل كانت منة تسمح لهذا الزعيم بالسيطرة على قرار المجلس البلدي مع الإبقاء شكليًا على تعددية طائفية لا تسمح بالحفاظ على الطبيعة الديمقراطية داخل المجلس البلدي. وهكذا يتبين أن المناصفة في ظل اللوائح المقفلة مع نظام أكثري تسمح بالحفاظ على المناصفة الشكلية أيضا لكنها لا تضمن إطلاقا صدقية التمثيل كون الجهة الأقوى ستتمكن من فرض كامل أعضاء المجلس البلدي تمامًا كما كان الزعيم يفعل ذلك لكن ضمن الإطار الشكلي للمناصفة. وهذا الواقع لا ينطبق فقط على بيروت بل على مختلف البلديات التي يُقترح إخضاعها لقاعدة اللوائح المقفلة، ما يعني أن اللائحة المقفلة هي في الحقيقة وسيلة لتعزيز الهمينة السياسية للأحزاب النافذة التي ستتمكن من إقصاء جميع القوى التي ترفض الانضواء تحت لوائها.

  • حلول ديمقراطية: 

إن معالجة الهواجس الطائفيّة يجب أن يتمّ بالصورة الأكثر توافقًا مع قواعد الديمقراطيّة، فيما ما ذهبت إليه الاقتراحات الثلاثة يؤدي على العكس تمامًا إلى استغلال هذه الهواجس من أجل تقويض الديمقراطية بصورة شبه تامة. ومن الحلول الديمقراطيّة الممكنة لمعالجة هذه الهواجس، اعتماد النظام النسبي على أساس لوائح مغلقة على أن يُفرض تركيبُ اللوائح مناصفة بين المسيحيين والمسلمين وأن يُفرض ترتيب أسماءُ المرشّحين على كل لائحة على قاعدة مسيحي فمسلم وإلا العكس.

You May Also Like

استقبل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار الذي قال بعد اللقاء: أحببت اليوم أن أقوم بزيارة سماحته، لأطلعه على التحضيرات التي تقوم بها وزارة الداخلية لإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في كل لبنان، بدءًا بمحافظة جبل لبنان، ومن المؤكد أنَّ سماحته يعطي بركاته لكل الوطن، ويعطي توجيهاته دائمًا بالحفاظ على الوحدة في لبنان، وعلى إجراء الاستحقاقات الدستورية في وقتها، وعنده حرص على العملية الانتخابية أن تجري بسلاسة، وبكل دقة، وبدون أيِّ مشاكل، كما كان له لفتة خاصة لمدينة بيروت، وحرصٌ على المناصفة في المجلس البلدي القادم لمدينة بيروت، وهذا الأمر متروك طبعًا للقوى السياسية في مدينة بيروت. ووزارة الداخلية كما قلت سابقًا حريصة على إجراء الانتخابات في كلِّ لبنان، وفي مدينة بيروت، بكل نزاهة وشفافيَّة، وبكل حيادية من قِبلِ أجهزة الوزارة، والأجهزة الحكومية أيضًا، وفي الوقت نفسه أنا شخصيًّا كمواطن لبنانيّ، عندي حرص مثل سماحة المفتي، وكما تفضَّل على المناصفة في مدينة بيروت، وعلى العيش المشترك الذي هو نقطة القوة في بلدنا لبنان. إنَّ مسعى التوافق حاضر ومستمر، وسماحته يدعم هذا الشيء وهذا وهذا متروك للقوى السياسية في بيروت وللناخبين بأن يمارسوا حقهم بكل حرية ووعي، وبكل مسؤولية، حفاظاً على وحدة المدينة ودورها التاريخي كعاصمة وحاضنة لكل أبناء الوطن. فبسئل: هناك خوف من بعض المواطنين في لبنان، من تكرار العدوان الإسرائيلي على بعض المناطق، فهل هذا يؤثر على عملية الانتخاب؟ أجاب: بالطبع هناك تحديات أمنية تواجهنا من أجل إجراء الاستحقاق الانتخابيّ، كما تواجهنا هذه التحديات في كل أمور الحياة اليومية في لبنان، لكنَّ هذا لن يثنينا بتاتاً عن التزام إجراء الاسحقاقات في وقتها، وأولها الاستحقاق الانتخابي بدءاً بمحافظة جبل لبنان يوم الأحد. إنَّ وزارة الداخلية والحكومة تعملان وفقاً لأجندة الدولة اللبنانية، وليس لأيِّ جهة أو أجندة خارجية، “وتحديداً العدو الإسرائيلي.”

More From Author