خرجت فلسطين من تصفيات آسيا لكأس العالم… لكنها دخلت نادي المنتخبات الكبار

خرجت فلسطين من تصفيات آسيا لكأس العالم… لكنها دخلت نادي المنتخبات الكبار
بقلم: خليل ابراهيم طه العلي 
رغم خروج المنتخب الفلسطيني من التصفيات الآسيوية المؤهلة إلى كأس العالم 2026، إلا أن ما حققه “الفدائي” خلال مشواره الطويل في هذه التصفيات لا يمكن النظر إليه بمنظار الإقصاء فحسب، بل ينبغي أن يُقرأ بعيون الوعي والاعتراف بم��انة فلسطين الجديدة على خارطة الكرة الآسيوية، لقد خرج الفدائي من التصفيات، لكنه دخل رسمياً نادي المنتخبات الكبار، وأكد حضوره القوي كمنتخب يُحسب له الحساب، ويمتلك القدرة على مواجهة أعتى المنتخبات في القارة.
ما تحقق لم يكن وليد الصدفة، بل هو ثمرة مشروع وطني رياضي تبناه الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، بقيادة الفريق جبريل الرجوب، الذي أعاد بناء المؤسسة الرياضية الفلسطينية رغم كل التحديات السياسية والاحتلالية، فقد أولى الاتحاد اهتماماً بالغاً بالمنتخب الوطني، ووفّر له مقومات التطور من معسكرات تدريبية ومباريات دولية، وسعى لدمج اللاعبين الفلسطينيين من الداخل والشتات في منظومة واحدة موحّدة تحمل اسم فلسطين وتدافع عنه في المحافل الدولية.
من كأس التحدي الذي توّج به المنتخب عام 2014، إلى مشاركته في نهائيات كأس آسيا في أستراليا 2015، ثم الإمارات 2019، وأخيراً قطر 2023، كانت فلسطين تثبت أن تطورها ليس لحظياً، بل هو عملية تراكمية مدروسة، لقد ارتفعت تصنيفات الفيفا، وتوسعت القاعدة الجماهيرية، وتحولت فلسطين إلى حالة كروية آسرة يتعاطف معها الأحرار ويشجعها كل من يرى في الرياضة وجهاً للنضال والبقاء.
في التصفيات الآسيوية الأخيرة، وقع المنتخب الفلسطيني في مجموعة قوية ضمت كلاً من كوريا الجنوبية، والعراق، والكويت، وعمان، وواجه خصوماً من أصحاب التاريخ والتصنيف المتقدم، ومع ذلك، لم يتراجع الفدائي، بل هاجم ودافع ونافس، وحقق انتصارات كبيرة على العراق والكويت، وتعادل بشجاعة مع عمان، وكان نداً عنيداً بتعادلين أمام كوريا الجنوبية بطل المجموعة وأفضل منتخبات آسيا.
المدرب الوطني محمد جمال أبو جزر، رغم ضيق الوقت وصعوبة الظروف، قاد الفريق بروح وطنية عالية، وقدم قراءة جيدة للمباريات، وتمكن من بناء شخصية تكتيكية متماسكة، ورغم أن الفريق لم يتأهل، فإن أسباب الإقصاء لا تُحمّل على عاتق اللاعبين الذين قاتلوا حتى الرمق الأخير، بل على ظروف تتعلق بالإعداد، والجاهزية الذهنية والفنية، وبعض القرارات الفنية التي حالت دون ترجمة الأداء إلى بطاقة عبور.
لا يمكن لأي تقييم أن يغفل دور اللاعبين الذين قدموا كل ما لديهم، وتحملوا مشاق السفر، وضغوط السياسة، والعدوان المتواصل على فلسطين، لا سيما في الضفة الغربية وقطاع غزة، لقد صمد هؤلاء اللاعبون في وجه العقبات الأمنية والإدارية، وحملوا راية فلسطين بفخر في كل ملاعب آسيا.
برز من بين هؤلاء النجوم وسام أبو علي بقوته البدنية وتحركاته الهجومية الذكية، وعدي الدباغ الذي أثبت أنه أحد أفضل المواهب الفلسطينية في الخارج، ومحمد حبوس الذي قدّم أداء متوازناً في الوسط، وبرز كلاعب يمكن البناء عليه في المستقبل. كما تألق الشاب آدم كايد، وسجّل تامر صيام حضوره كأحد الركائز الهجومية، فيما لعب مصعب البطاط دوراً محورياً في الخط الخلفي، مقدماً أداءً عالياً في التغطية والتمرير.
أما الحارس رامي حمادة، فقد كان بحق الجدار الذي استند إليه المنتخب في أكثر من مواجهة، بتصدياته الحاسمة وحضوره الذهني الراسخ، ورافقه اللاعب عدي خروب الذي أظهر شخصية ناضجة وأداءً هجوميًا مميزاً، وساهم في تسجيل أهداف حاسمة رغم صغر سنه.
ما يميز المنتخب الفلسطيني هو أنه صورة مصغرة عن الشعب الفلسطيني نفسه؛ لاعبون من غزة، والضفة، والقدس، والداخل المحتل، ومخيمات الشتات في لبنان والأردن وأوروبا، كلهم اجتمعوا على راية واحدة وهُوية واحدة، ليرسلوا رسالة للعالم أن فلسطين، رغم الجراح، قادرة على الحياة، وعلى المنافسة أيضاً.
ورغم العدوان الوحشي على قطاع غزة، وحصار الضفة، وتضييق الاحتلال على التنقل والسفر، لم تغب فلسطين عن المواعيد الكروية الكبرى، بل حضرت بقوة، وشرفت الجماهير التي آزرتها من كل مكان، وكان للجماهير الفلسطينية، في الوطن والمهجر، دور كبير في دعم المنتخب، سواء في المدرجات، أو عبر الشاشات، أو في حملات التشجيع على مواقع التواصل.
اليوم، وبعد هذا المشوار المشرّف، بات واضحاً أن المنتخب الفلسطيني بحاجة إلى مرحلة تطوير جديدة، تضمن الاستمرارية والتصعيد، من خلال بعض الاضافات الايجابية على الجهاز الفني وبعض اللاعبين المميزين.
إن فلسطين لا ينقصها الطموح ولا القدرات، لكنها بحاجة الآن إلى تثبيت الاستقرار الأمني وحرية التنقل اولاً وعودة الحياة وعودة النشاطات الرياضية والمنافسات المحلية، وتطوير منظومة الاحتراف، والاستثمار في الفئات العمرية، ومواصلة التنسيق بين الاتحاد والأندية داخل الوطن والشتات.
خرج المنتخب الفلسطيني من تصفيات كأس العالم، لكنه خرج مرفوع الرأس، بشرف الأداء، وبعزة الحضور، خرج وقد حفر لنفسه مكاناً بين الكبار، وأثبت أن فلسطين ليست رقماً سهلاً، بل حالة وطنية وكروية تستحق كل الاحترام، خرج اليوم ليعود أقوى غداً، ولتستمر مسيرته نحو حلم المونديال، وحلم العودة، وحلم الحرية.

You May Also Like

More From Author