بيروت تحتضن “زمن الجميل” الثامن: مهرجان الوفاء للفن الأصيل

بيروت تحتضن “زمن الجميل” الثامن: مهرجان الوفاء للفن الأصيل

بيروت – حيدر الحسيني

في عاصمةٍ عرفت كيف تُغنّي وسط الركام وتنهض على إيقاع الأمل، أحيت بيروت مساء أمس النسخة الثامنة من مهرجان “زمن الجميل”، الحدث الفني الثقافي الذي بات بمثابة تقليد سنوي يحتفي بالأصالة، ويعيد التوازن الجمالي في وجه فوضى العصر.

وسط حضور نخبوي لافت، امتلأت القاعة بأهل الفن والإعلام والثقافة، إلى جانب وجوه سياسية، دبلوماسية، اجتماعية، وأكاديمية، اجتمعوا تحت مظلة واحدة: الاحتفاء بفنٍ لا يُنسى، ورجالٍ ونساءٍ لم ينساهم الجمهور.

 تكريم نجوم خلّدوا الفن في الذاكرة العربية

تميّز المهرجان هذا العام بلائحة تكريم رفيعة المستوى، ضمّت أسماءً من لبنان ومصر وسوريا والمغرب، اختيروا بعناية ليكونوا ممثلين حقيقيين عن “الزمن الجميل” الذي يحمل المهرجان اسمه.

كرّمت إدارة المهرجان فنانين وموسيقيين وكتّاب كلمات ومخرجين ساهموا في صناعة مجد الأغنية العربية، بعضهم رحل عن عالمنا وبقي صوته، وبعضهم ما زال يبدع بصمت وتواضع.

تسلّم المكرَّمون دروعهم على وقع تصفيق حارّ، وكلمات مؤثرة، ومشاهد فيديو أرشيفية نادرة استحضرت لحظات مجد لم تُنسَ، ما جعل الحفل أقرب إلى لقاء وجداني جماعي، تلاقت فيه أجيال متعددة على حبّ الفن الحقيقي.

 أصوات الشباب تعانق الكبار… طرب يليق بالمسرح

لم يكن الحفل مجرد لحظة نوستالجيا، بل محطة لإعادة تقديم الفن الراقي من خلال أصوات شبابية واعدة، حملت على عاتقها مهمة أداء روائع الكبار دون أن تفقدها حرارتها الأصلية.

فمن موشحات أم كلثوم، إلى كلاسيكيات عبد الحليم، وأغاني وديع الصافي وصباح وفيروز، سافرت القاعة عبر الزمن على أجنحة الصوت والكلمة والنغمة.

وأكّد هؤلاء الفنانون الشباب أن الطرب لا يموت، بل يتجدّد بمن يؤمن به. فغنّوا بإحساس، وأبدعوا على المسرح، ليجعلوا من المهرجان منبرًا للتواصل بين جيلين، لا خصومة بينهما، بل امتداد نبيل.

 مشهدية راقية… وتنظيم يستحق التصفيق

من حيث الشكل، كان المهرجان مثالًا في التنظيم والأناقة. الديكور حمل رموز الفن الأصيل، والإضاءة صنعت مسرحًا ساحرًا، والصوت كان متقنًا بشكل احترافي.

وما زاد من قيمة المناسبة هو التوازن بين الحدث الفني والتغطية الإعلامية، حيث توزّعت الكاميرات بين البث المباشر والتقارير الخاصة، فيما اشتعلت مواقع التواصل بلقطات من الحفل حملت هاشتاغ #زمن_الجميل.

المنظّمون نجحوا في جمع الذكريات بالآمال، والصوت بالصورة، والوفاء بالمستقبل، فجاءت النتيجة: ليلة بيروتية تليق بتاريخها، وتستحق أن تُدرّس كنموذج للثقافة الحيّة.

 كلمة رئيس المهرجان: التمسّك بالهوية الفنية

وفي ختام السهرة، ألقى رئيس المهرجان كلمة وجدانية حملت عنوان: “نحن لا نُكرّم الماضي بل نُعيده إلى الحياة”، وقال فيها:

“إنّ هذا المهرجان ليس ماضياً ننوح عليه، بل تراثًا نحمله ونورثه، إنّه استعادة لذاكرة الفن الجميل في وجه ثقافة الاستهلاك والتسطيح.”

كما دعا إلى احتضان الطاقات الفنية الشابة، وتفعيل دور الإعلام الثقافي في حماية الذائقة العامة، مؤكدًا أن “زمن الجميل” سيبقى مساحة مفتوحة للوفاء، والتكريم، والاحتراف.

 خاتمة: بيروت تتنفّس من رئتها الحقيقية… الفن

في زمن كثرت فيه الضوضاء وقلّ فيه المعنى، جاء “زمن الجميل” ليذكّرنا بأننا أمةٌ أنجبت فيروز وعبد الوهاب، أم كلثوم ووديع، الرحابنة وعبد الحليم، وأن الفن لم يكن ترفًا بل رسالة.

وها هي بيروت – رغم كل شيء – تقف من جديد، تمسح غبار التعب، وتغنّي للحياة.

هنا، لا ندفن ذاكرتنا، بل نُغنّيها.

هنا، زمن الجميل… لا يموت.

— بقلم: الصحفي حيدر الحسيني

You May Also Like

More From Author